قال الشيخ عبد الله بن جار الله بن إبراهيم آل جار الله في كتاب
(بهجة الناظرين فيما يصلح الدنيا و الدين )
قال الله تعالى :
(( وإني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدى ))
ذكر الله في هذه الآية للمغفرة أربعة أسباب :
1- التوبة النصوح في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات
قال الله تعالى :
(( وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون ))
فإذا تبتم أفلحتم ونجحتم وسعدتم في الدنيا والآخرة وقال تعالى :
( (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم
سيئاتكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار ))
وتكفير السيئات ودخول الجنات المشتملة على ما تشتهيه الأنفس
وتلذ الأعين حاصل لمن تاب إلى الله تعالى توبة نصوحا صادقة
بأن يفعل التائب الواجبات ويترك المحرمات ويندم على ما فات
من ذنوب وسيئات ويعزم أن لا يعود إليها في المستقبل فإنها تكفر
سيئاته ويدخل الجنة برحمة الله تعالى بسبب توبته النصوح وقال
تعالى :
(( والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها
لغفور رحيم ))
وقال تعالى :
(( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ))
والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة.
2- ومن أعظم أسباب المغفرة الإيمان الصادق بالله تعالى وأمره ونهيه
و وعده و وعيده وثوابه وعقابه ، والإيمان بملائكة الله الكرام البررة وأنهم عباد مكرمون
لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون
والإيمان بكتب الله المنزلة على رسله لهدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور
وفي مقدمتها القرآن الكريم أفضل الكتب السماوية :
(( وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ))
وقال تعالى :
(( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ))
وقال تعالى :
(( وقد جاءكم من الله نور و كتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم
من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ))
وقال تعالى :
(( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ))
والإيمان برسل الله عليهم الصلاة والسلام جملة وتفضيلا وفى مقدمتهم خاتمهم محمد
صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين وجعل أمته خير الأمم وكتابه القرآن
خير الكتب وشريعته أفضل الشرائع وأسمحها وأسماها وأكمل الله له ولأمته دينهم ورضيه
منهم وأتم عليهم به النعمة فلله الحمد والشكر والثناء على ذلك.
والإيمان بالبعث بعد الموت والجزاء والحساب والثواب والعقاب والحوض والميزان والصراط
والجنة والنار وأنهما دار ثواب للمحسنين وعقاب للمسيئين.
والإيمان بالقدر خيره وشره وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأن ما أصاب الإنسان
لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه قال عليه الصلاة والسلام :
" من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأتي
إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه "
3- ومن أعظم أسباب المغفرة: العمل الصالح الخالص لله الموافق لسنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم من صلاة وصدقة وصوم وحج وتلاوة القرآن وذكر لله ودعاء
واستغفار وأمر بمعروف ونهي عن منكر وجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس
وبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران قال الله تعالى :
(( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها وعد الله حقا وهو
العزيز الحكيم ))
وقال تعالى :
(( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون
عنها حولا ))
وفي القرآن ما يزيد على خمسين آية يقرن الله فيها الإيمان بالعمل الصالح ويرتب عليهما
سعادة الدنيا والآخرة والسلامة من شقاوة الدنيا والآخرة.
4- والإستمرار على الإيمان الصادق والعمل الصالح والتوبة النصوح مدى الحياة حتى الممات
قال الله تعالى :
(( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ))
أي حتى تموت قال تعالى :
(( إن الذين قالوا رينا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة
خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ))
وطلب رجل من النبي صلى الله عليه وسلم وصية جامعة لأبواب الخير فقال :
" يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك
قال : قل آمنت بالله ثم استقم "
وفي رواية : " قل ربي الله ثم استقم "
والاستقامة هي لزوم طاعة الله تعالى وتشمل فعل جميع الواجبات وترك جميع المحرمات
قال صلى الله عليه وسلم :
" استقيموا ولن تحصوا و اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن "
فأسباب المغفرة كلها منحصرة في هذه الأسباب الأربعة :
الإيمان الصادق والعمل الصالح و التوبة النصوح والاستقامة على ذلك
فإن التوبة تجب ما قبلها
والإيمان و الإسلام يهدم ما قبله
و العمل الصالح الذي هو الحسنات يذهب السيئات
وسلوك طرق الهداية من تعلم علم وتعليمه والدعوة إليه و العمل به و الصبر عليه
كلها مكفرات للذنوب و موجبات للمغفرة و الرحمة و الرضوان
و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم